بعد الهروب الشنيع للرئيس التونسي المخلوع زين الدين بن علي من بلاده، صار العديد من (زملائه) في العالم العربي، من متنفذي الطبقات الحاكمة وعملائها، يعتقدون، وهم على حق، أن ظاهرة احتجاج الشوارع السياسية وانتفاضاتها ستشملهم عاجلا أو آجلا، لأن مكنسة الشعوب لن تتوقف عن العمل رغم احتجابها في بعض الأحيان وغيابها عن العمل، لكن التاريخ الإنساني علمنا وسيظل يعلمنا أن (مكنسة) الشعوب للحكام الظالمين لن تتوقف عن العمل مهما تغيرت القيم والتفصيلات والأساليب على مر الزمن.
خلال اليومين الماضيين، مثلا، صار جمال حسني مبارك ليس سعيدا بوضعية الشارع المصري ،الملتهب، المنادي، بشعار غاضب يقول : ( يا جمال قل لأبوك.. المصريين يكرهوك) ، لذلك، فهو وعائلته كلها يبحثون عن مكان أمين يلجئون إليه في ظلام الليل، هم مع ثرواتهم، قبل أن يفوت الأوان، خاصة وأن درسين كبيرين تعلموهما خلال الـ48 ساعة الماضية من تجربة الطاغية زين العابدين وزوجته ليلى اللذين يعيشان تحت ظل الملك السعودي بمزيج من الخوف والإذعان لتعاليم الشرطة السعودية.
الدرس الأول: هو أن السلطات السويسرية قد جمدت جميع أرصدة بن علي وأعوانه المودعة في بنوكها.
الدرس الثاني: هو الإجراء المتخذ يوم أمس من قبل وزارة العدل التونسية بتقديم طلب رسمي عاجل إلى الشرطة الدولية (الانتروبول) بإلقاء القبض على المتهم باللصوصية المدعو زين العابدين بن علي وإرساله مخفورا إلى تونس لمحاكمته علنا على ما اقترفت يداه.
تتواكب هذه الأخبار ذات الطابع الدرامي الذي يفوق (التوقع) مع أخبار درامية أخرى ينحني أمامها رجال البوليس في شوارع القاهرة وصنعاء والجزائر وعمان الذين صار الغاصبون في هذه البلاد وغيرها يحسبون منذ الآن حساباتهم السرية، يخططون على ضوئها حركتهم وحركة أموالهم المنهوبة من خزائن الدولة ومن ثروات الشعب ويفكرون بأرق شديد : إلى أين يذهبون وماذا يحملون وكيف يسافرون وفي أي بلد أو مطار ينزلون..؟
صحيح أن عدد الهاربين من تونس قليل جدا، لكن ضاقت بهم الدنيا الواسعة فما وجدوا غير بضعة أمتار في بلاد الرق والعبودية بالمملكة العربية السعودية كمأوى لهم يمكن أن يحميهم من برد وشتاء لحين ترحيلهم أو رحيلهم إلى مكان آخر، لكن أين يجد مكانا جديدا أولئك الراحلون القادمون غدا أو في الشهر القادم أو في العام الآتي..؟
لا بد أن يدرك الحكام العرب في كل مكان من العالم العربي أن خطر نهوض الشارع السياسي وارتفاع هتاف الناس المظلومين هو خطر دائم عليهم وعلى قصورهم وعلى أموالهم ، يشتد يوما بعد يوم ، ولا يضعف، وأن مظاهرات الشوارع لن يثنيها أي بوليس ولا يمكن لأي استعراض للقوة الإعلامية، التلفزيونية والصحافية، أن يوقف تصاعد صوت الشعوب وهتافها ، حيث أول فعل للهتاف الجماهيري ، حالما ينطلق أول مرة ، يجعل الحكام منبوذين ، خائفين ، لا يربطهم أي رابط مع أبناء شعبهم ، كما أن أية قوة بوليسية مهما كان جبروتها لن تستطيع القضاء على إرادة المحكومين المظلومين.
من يستطيع أن يعرف من هو الهارب القادم ..؟